أزهار البياتي (الشارقة)

من واقع رؤية، تستعيد بناء شواهد الحضارة والتاريخ، وتعود لاستقراء زمن الماضي الجميل، مستثمرة مفرداته وعناصره الحضارية وفق معطيات معاصرة وجديدة، حاملة نهج فكر مستنير لصاحب السمو حاكم الشارقة، والذي أمر مشكوراً بتنفيذ خطة عمل طويلة من خمس مراحل، تكتمل في عام 2025، هدفها الأول هو إعادة صياغة وبناء منطقة التراث القديمة في قلب الشارقة، وتحويلها إلى منطقة ذات طابع تراثي سياحي وتجاري، مفعمة بنفحات الفن والأصالة والجمال.

حماية المدينة
يأتي صرح حصن الشارقة التاريخي العريق، الذي تم بناؤه عام 1820م، في وسط منطقة قلب الشارقة القديمة، ليكون أكبر وأهم مبنى في الإمارة، وكان الغرض الأساسي من بناء الحصن هو حماية المدينة وسكانها، وقد شملت عناصر الدفاع الرئيسية: جدران قوية وسميكة، وأسوار عالية، وأبراج مراقبة شاهقة، والعديد من العناصر الهندسية الدفاعية الأخرى، حيث كان هذا المعلم الدفاعي القديم، أيضاً، مسكناً خاصاً لعائلة القاسمي الحاكمة، ومقراً للحكومة في الشارقة.
ويتميز هذا الحصن بطراز معماري تقليدي، يعتمد على تصميم هندسي تتجلى فيه روح العمارة العربية الأصيلة، حيث يبرز من بين أروقته الشامخة برجان كبيران ذات أضلاع رباعية، كانت تستخدم للمراقبة، ويتكون الحصن من طابقين متتاليين، وتسع غرف رئيسة، وتتوسطه ساحة واسعة وفسيحة وخريجة ماء «بئر»، علماً بأن مبنى الحصن استخدم لفترات طويلة كمقر للحكم في الإمارة.

ثلاثة أبراج
وقد تم بناء حصن الشارقة باستخدام نوع من الحجر المرجاني، الذي تم جمعه من قاع الخليج العربي، وغطيت جدرانه بمادة الجص الناعمة ذات اللون البني الفاتح، أما الأبواب، فقد صنعت من خشب الساج، واستخدمت أعمدة شجر المنجروف وأجزاء من شجر النخيل «السعف، وجريد النخيل، وأليافه» في بناء الأسقف.
ويتألّف الحصن من ثلاثة أبراج، وهي: «المحلوسة»، و«الكبس»، و«مربعة مشرف»، إضافةً إلى الشرفة الرئيسة التي تطل على الساحة الأمامية للحصن، حيث توجد بها حطبة التوبة، والتي كانت تستخدم لإقامة الحدود.
يقع متحف الحصن في منطقة الشويهين «قلب الشارقة حالياً» بالقرب من سوق الشناصية، ويضم الطابق الأرضي قاعة «التوقيف»، التي تم تحويلها إلى استراحة للضيوف على سجن المحلوسة، وخزنة السلاح، وقاعه الحصن والمدبسة، وقاعة القواسم، والخريجة.
في طابقه الأول، يتألف الحصن من قاعة الأسلحة، وغرفة الشيخ، وقاعة كبار الشخصيات، وقاعة الصور والوثاق، وقاعة المواد التفاعلية، بالإضافة إلى قاعة الشيخ سلطان بن صقر الثاني، وبرج الكبس، وبرج المحلوسة.

حركة السفن والقوافل
ولعب الموقع الجغرافي المتميّز للحصن دوراً مهماً في بلورة أهميته وعراقته، فقد كان يقع في منتصف المسافة بين البحر والصحراء، وتشكلت الأحياء السكنية والبدائية من حوله بشكل فطري وعفوي، وكأنه مغناطيس هائل يجذب الباحثين عن قيمة انتمائية أو شكل اجتماعي ذي هوية واضحة، ثم إن الأبراج الثلاثة المحيطة بالحصن ساهمت بشكل كبير في خلق النظرة البانورامية الشاملة لحركة السفن في الماء، وحركة القوافل القادمة من جهة الصحراء، مع إمكانية الاطلاع على حركة السوق والأهالي والبيوت على طرفي الحصن.

«عصير التمر»
أثناء التجول في غرف الحصن نشاهد مقتنيات واسعة من الصور والقطع الأثرية ونستكشف نظام العدل الأولي في الإمارة عند زيارة سجن المحلوسة، ونتعرف إلى كيفية استخراج الدبس «عصير التمر»، وعلى الأسلحة واستراتيجيات الدفاع التي استخدمها الشيوخ وحراسهم، كذلك يتيح لنا المبنى التعرف إلى نمط حياة العائلة الحاكمة.